الوصف
لقد عُدْت.
اندلع سُلّمُ الطائرة ليهبط عبر دركاته القادمون، امتزجتُ بهم متخلصا من اختلافي الذي يلاحقني كَوسْم منذ الولادة. هواء أعرفه استقبلني بطعم الملح، هذا ليل الوطن. أحسستُ بتعبي يفيض مني، وحين وطأتُ الأرض مبعثرا بدأتُ بتسويةِ حقيبةِ ظهري. ركبتُ الحافلةَ واقفا متشبثا بعمودٍ فضيّ طويل يهدِّدُني بالانزلاق فتنزلقُ مني ألف فكرة. وصلتُ إلى مبنى المطار وقصدتُ ركنَ استقبال القادمين تمشي في نظرتي عبارة «الحمد لله على السلامة». لا بأس، أنا هنا بعد سنوات لا أودُّ عدها أعودُ من حيث بدأت.هيئتُ أوراقي الثبوتية منتظما في الصفِّ الطويل أمامَ موظفِ الجوازاتِ الذي قارنَ بين سحنتي وأوراقي الثبوتية، وعقد حاجِبيه متشككا:«من أستراليا؟».أومأتُ برأسي متوقعا أن أطردَ ارتيابَهُ غيرَ أنه استدعى بعضَ موظفي الجوازات ليتم تداولُ أمري بينهم، وفيما قصد كل الواصلين جهةَ الأمتعةِ وصاروا يتفقدون حقائبهم كنتُ رهينَ شكِّ الموظفين الذين سمحوا لي أخيرا بالعبور بعد إحساسي القاتم بأني أواجهُ كابوسَ حياتي الذي لطالما فررتُ منه.قصدتُ دورةَ المياهِ قبلَ أن أعبرَ إلى بهو انتظارِ القادمين، والذي تترقبُني فيه أسرتي، وقفزت صورٌ عدة أمامي ثم انسحبتْ إلى داخلي. أخشى أشياء كثيرة، أخشى أن تطوّقني أمي بذراعيْها غير عابئة بالجموعِ التي يحرِّكُ فضولَها أيُّ فعلٍ مماثل في ازدحام المعابر، أودُّ أن أعبرَهم وأعبر كل هذا بهدوء وتهذيب، أن أتماسكَ فلا أذوب في حضرةِ الدمعِ الساخن أو الاحتضان الشديد، ولا يعني هذا أن أشواقي فاترة. فبقدر شوقي يخيفني لقاؤهم.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.