ترسم الثورات الكبرى مسيرة التاريخ. أما مقاومة الفكر المحافظ وقيام ثورات مضادة فلا تمثّل إلّا عوائق تُمهِّل سير الحركة. فقد أبدعت الثورة الفرنسية مناهج ممارسة السياسة والديموقراطية الحديثتين، وفتحت الثورة الروسية سبل الانتقال إلى الاشتراكية، وكرّست الثورة الصينية تلاحق نضال شعوب تخوم المنظومة العالمية ضد الإمبريالية وانخراطها في تطلع مستقبل اشتراكي. هذه الثورات كبرى بالتحديد لأنها رسمت لنفسها أهدافاً تتجاوز في مغزاها حدود المطالب المباشرة والخاصة بزمن حدوثها، ولذلك تصطدم في تقدمها بتلك القوى والأفكار المحافظة العاجزة عن تخيّل تحوّل جذري ينخرط في المدى الطويل. فلا يتخيّل الفكر المحافظ إمكانية، بل ضرورة، الإبداع الشجاع الخلّاق من أجل انعتاق الإنسانية من سيادة اللامساواة والاستغلال والاستلاب. وبالتالي فإن هذا الفكر ينظر إلى الثورات الكبرى على أنها تمثل «أخطاء تاريخية» سقطت في فخها شعوب غير مسؤولة دفعتها حماسة طوباوية. فلا يدرك هذا الفكر أن طوباوية اليوم تصير واقع الغد. تمثل الثورات الكبرى الاستثناء في التاريخ وليست القاعدة العامة. لذلك يتطلب إدراك مغزاها التفقد الدقيق في المسيرة التي أتاحت بزوغ ذلك الخيال الخلّاق الاستثنائي فتتبلور الثورات الكبرى.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.