الوصف
القراءةُ فعْل شَديد التعقيد ومُتملّص من كُلِّ سَعْي إلى حَصْره، لأنّه يَنتسب، في تحَقُّقه الأعلى، إلى اللانهائيّ. النظريّات التي انشغَلتْ بهذا الفِعل تَوَجّهَتْ، في الغالب العامّ، إلى قوانينه وآلياته، غَير أنّها ظلّت دَوماً بمَنأى عَن اسْتِنفادِ مَساراتِهِ واحْتِمالاته وأسراره، ولا سيما في التجارب التي تَحَقّق فيها هذا الفعلُ بوَصْفه إنجازاً أدبيّاً. إنجازٌ يَتولّد فيه الإبداع، استناداً إلى التباس خَلّاق، من داخِل الفعل القرائيّ. بَين نظريّات القراءة وفعل القراءة مَسافةٌ لا تَقْبَلُ الامتلاء. فالثاني هو رافدُ الأولى وإن تحدَّثتْ، بَعد صَوْغِها لِقوانينه، باسْمِ هذا الفِعل، الذي يَظلُّ أوسعَ من كلِّ نظريّة. لرُبّما تَبقى المُصاحَبةُ المُتأنّية لتجربَةٍ قرائيّة محدَّدة هي، بناءً على ذلك، ما يَسمح من النّاحية المنهَجيّة والإجرائيّة بالاقتِراب من أسرار القراءة ومن دَمْغَة القارئ، الذي يَكونُ دَوْماً نادراً، شأنه في ذلك شأن النُّصُوص نَفْسِها. يُنصِتُ هذا الكتاب لتجربةِ عبد الفتاح كيليطو القرائيّة. تجربةٌ أنجَزَت القراءةَ من داخِل الحَكي ومَكّنَت الحَكيَ، في الآن ذاته، منَ الاضطلاع بمهمّةِ القراءة، على نحو أتاحَ للشّكل الكتابيّ، الذي به تَحَقّقَ الفعلُ القرائيُّ، التباساً مُتشعِّباً. التباسٌ حرَصَ الكتابُ على اقتفَاءِ آثاره في التفاصيل الصُّغرَى، بُغْيَة استجلاءِ ما تَجُودُ به القراءة أثناء تَخَلّقها وتَحَقّقها. فالكتابُ يَرُومُ، بمَعنى ما، الإنصاتَ للفعل القرائيِّ في حيويّتِه وتفاعُله الإبداعيِّ مع المَقرُوء، وفي نَسَبهِ، تبعاً لذلك، إلى المجهول وإلى اللانهائيّ.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.