
يقدّم كتاب «النخبة الحاكمة» لديانا سبينغولا واحدة من أكثر القراءات جرأة في تفكيك التاريخ السياسي العالمي، إذ تنطلق المؤلفة من فرضية مركزية تقول إن الحروب الكبرى – خاصة الحربين العالميتين – لم تكن نتاج صدامات قومية أو أيديولوجية فقط، بل كانت ثمرة تخطيط طويل الأمد من قبل نخبة مالية عابرة للحدود. هذه النخبة، كما تصفها، تمثّل شبكة من المصرفيين والمموّلين والصناعيين الذين استطاعوا عبر النفوذ المالي والإعلامي توجيه القرارات السياسية الكبرى، وصناعة نزاعات تخدم مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية.
تُعيد سبينغولا قراءة الأحداث الكبرى بعيدًا عن الرواية السائدة. فهي ترى أن صعود الأنظمة المتطرفة، وانهيار اقتصادات، وتفجّر أزمات عالمية، لم تكن مجرد مصادفات، بل حلقات داخل مشروع أوسع يهدف إلى تعزيز السيطرة على الثروات والموارد، وتمكين نظام عالمي مركزي يقوده رأس المال الدولي. ويقدّم الكتاب سردية بديلة للحرب العالمية الثانية، محاولًا إثبات أن الكثير من القرارات المصيرية خضعت لتأثير مباشر من هذه النخبة، سواء عبر تمويلات أو ضغوط سياسية أو حملات دعائية موجَّهة.
قوة الكتاب تكمن في جرأة طرحه، وفي اعتماده على كم كبير من الوثائق والأرشيفات التي تسعى الكاتبة عبرها إلى بناء حجة متماسكة. كما يميّزه تفكيك دقيق لبنية السلطة الدولية وتاريخ المصارف الكبرى، وهو ما يجعله مصدرًا مهمًا للباحثين المهتمين بدراسة النخب وتأثيرها.
ومع ذلك، يبقى الكتاب موضع جدل؛ إذ يرى بعض النقاد أنّه يمنح “النخبة المالية” حجمًا أكبر من الواقع، ويُسقط تعقيدات التاريخ في إطار مؤامراتي واحد. لكن سواء اتفق القارئ أو اختلف مع طروحات سبينغولا، فإن الكتاب يظل من الأعمال التي تُحفّز على إعادة التفكير في المسلّمات التاريخية، وتدفع نحو قراءة أكثر نقدًا للنظام العالمي وصراعاته.

