الوصف
ربّما يتوقّعُ القارئُ أن يجِدَ جورج أورويل، في هذه الرسائل، أديباً ألمعياً وناقِداً سياسياً حاذِقاً فحسب. بيدَ أنّهُ سيجِدُهُ أيضاً مجرّدَ إنسانٍ يتقلّبُ ما بينَ قوّةٍ وضَعف، وذكاءٍ وغباء، ووفاءٍ وخيانة، وحُبٍّ وبُغض.
يُقالُ أنَّ عِشرةَ العُظماءِ تُنزِلُ حتماً من مكانتِهِم في قلوبِ مُحبّيهِم. وقد اختبَرَ كُلّ واحِدٍ منّا هذا الأمرَ أكثرَ من مرّةٍ في حياتِهِ، دونَ شكّ. وذلكَ أنّ الإنسانَ حينَ يُحِبّ، يرسُمُ لمحبوبِهِ (في خيالِهِ) لوحَةً مثاليّةً خاليةً من العيوب، ويُصيِّرُهُ إلهاً. ولكن، حينَ يُعاشِرُهُ حقيقةً، لا تلبثُ اللوحةُ أن تسقُطَ وتتهشَّم. فتكونُ النتيجةُ، في كثيرٍ من الأحيان، أن يستحيلَ الحُبّ المِثاليُّ لذلكَ «العظيم» بُغضاً غيرَ مُنضبِط.
يحدُثُ ذلكَ حينَ يفتقِرُ الإنسانُ إلى الوعي الكافي بطبيعةِ البشَر. أمّا حينَ يختبِرُ الإنسانُ الحياةَ حقيقةً، ويتقلَّبُ في تنّورِها، يشتعِلُ وعياً وينضُجُ عقلاً وروحاً. حينها فقط، يُنزِلُ الناسَ منازِلَهم، ويُدركُ أنّ كُلَّ عظيمٍ هو إنسانٌ من لحمٍ ودم.. وإبداعٍ وحماقة. وفي هذا يكمُنُ تفرُّدُهُ.
إنَّ جورج أورويل «يحتلُّ منزلةً مميّزةً بين أقرانِهِ، كَونَهُ ظلّ مثلاً يُحتذى مدّةَ خمسينَ عاماً». كلا! ليسَ المقصودُ أورويل بهذا الوَصف، إنّما هيَ جُملةٌ كَتَبَها أورويل في وصفِ روديارد كيبلينغ. ولكنّهُ، على أيةِ حال، وصفٌ يليقُ أيضاً بأورويل وينطبقُ عليهِ إلى حدّ كبير.
كتَبَ أورويل، أيضاً، واصِفاً كيبلينغ: «عليَّ، قبل أن أحدّثكم عن كيبلينغ، أن أنزِعَ عنهُ ثوبَ الخُرافةِ الذي ألبَسَهُ إيّاهُ أولئكَ الذينَ لم يقرؤوا أعمالَه». وقد لا ينطبِقُ هذا القولُ تماماً، كسابِقِهِ، على أورويل.. ولكن، يبدو أنَّ جمعاً غفيراً مِمّن يُشيدونَ بأورويل لم يقرؤوا من أعمالِهِ سوى مزرعة الحيوان و1984 – هذا إن كانوا قرؤوهُما حقّا! إنَّ أولئكَ الملايين الذين عرَفوا الأخَ الأكبر والغرفة 101.. لا يكادونَ يعرفونَ شيئاً عن صانِعِهِما. كما أنّ هذا الجَهل بأورويل يمتدُّ ليشمَلَ بعضَ الأوساط الأكاديميّة، وما يُدعى بالأوساط الصحُفيَّة العُليا.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.