
يقدّم كتاب «الحرب السيئة» (The Bad War) للكاتب مايكل إس. كينغ واحدة من أكثر القراءات التصحيحية جرأة وإثارة للجدل حول الحرب العالمية الثانية. فهو لا يكتفي بإعادة سرد الأحداث الكبرى التي سبقت اندلاع الحرب، بل يحاول تفكيك الرواية التاريخية السائدة التي ترسّخت عبر عقود في الوعي الغربي والعالمي. ينطلق كينغ من فرضية محورية مفادها أن التاريخ الذي نعرفه عن تلك الحقبة قد خضع لعملية “إعادة كتابة” تحت تأثير المنتصرين، وأن الصورة التي رُسمت لأطراف معينة، وعلى رأسهم ألمانيا، ليست بالضرورة صادقة أو مكتملة.
يستعرض الكتاب سلسلة من الأحداث السياسية والدبلوماسية بين الحربين، مؤكدًا أن ألمانيا لم تكن القوة الهجومية التي سعت إلى تفجير صراع عالمي، بل دولة محاصرة بالعقوبات، ومكبلة ببنود قاسية فرضتها معاهدة فرساي، وملاحقة بدعاية إعلامية ضخمة. ويرى كينغ أن القوى الكبرى — خصوصاً بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي — هي التي دفعت باتجاه التصعيد، كلٌّ وفق حساباته الخاصة. فبريطانيا كانت تخشى توازن القوى الجديد في أوروبا، والولايات المتحدة كانت تبحث عن مبرر لدخول حرب تفتح لها الأسواق، بينما كان الاتحاد السوفييتي يسعى لاستثمار الفوضى لتعزيز نفوذه.
يعتمد الكاتب على مفهوم “شيطنة العدو” بوصفه أحد أخطر أدوات الحرب، مشيرًا إلى أن الإعلام الغربي لعب دورًا حاسمًا في خلق صورة أحادية لهتلر وألمانيا، مما مهد الطريق لقبول الحرب في الرأي العام. ويطرح تساؤلات حول دوافع غياب روايات بديلة من المناهج الرسمية ووسائل الإعلام.
ورغم أن الكتاب يقدم طرحًا يصدم القارئ التقليدي، إلا أنه يكشف أهمية النظر الناقد للتاريخ وضرورة مراجعة السرديات الرسمية، حتى لو بقيت بعض استنتاجاته موضع خلاف. فالكتاب في جوهره دعوة لإعادة التفكير في “الحرب التي غيّرت العالم”، ومحاولة لفهمها بعيدًا عن الروايات المنتصرة التي احتكرت تفسير الماضي لعقود طويلة.

