الحرب الباردة الجديدة: العالم يعود إلى منطق الاستقطاب

ينطلق جلبير الأشقر في كتابه «الحرب الباردة الجديدة» من فرضية مركزية مفادها أن النظام الدولي دخل مرحلة صراع بنيوي طويل الأمد، تشبه من حيث المنطق العام الحرب الباردة الكلاسيكية، لكنها تختلف عنها في السياق والأدوات والبنية الأيديولوجية. فالعالم، بحسب الأشقر، لم يعد يعيش لحظة “ما بعد الحرب الباردة”، بل انتقل إلى شكل جديد من الاستقطاب الدولي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة قوى صاعدة، على رأسها الصين وروسيا.

يؤكد الأشقر أن هذه الحرب الباردة الجديدة لا تقوم على مواجهة أيديولوجية صلبة كما كان الحال بين الرأسمالية والاشتراكية، بل على صراع مصالح داخل النظام الرأسمالي العالمي نفسه. فالصين وروسيا ليستا خارج هذا النظام، بل تعملان داخله وتسعيان لإعادة توزيع موازين القوة والنفوذ، وهو ما يجعل الصراع أكثر تعقيدًا وأقل وضوحًا من سابقه.
ويركّز الكتاب على التحول في أدوات الصراع؛ حيث لم تعد الحرب المباشرة هي الأداة الأساسية، بل حلّت محلها العقوبات الاقتصادية، والحروب التجارية، والصراع على التكنولوجيا المتقدمة، وسلاسل الإمداد والطاقة، إلى جانب الحروب بالوكالة. وفي هذا السياق، يقدّم الأشقر قراءة نقدية لفكرة “الردع” ويعتبرها اليوم ردعًا اقتصاديًا وتقنيًا أكثر منه عسكريًا.

ويمنح الشرق الأوسط موقعًا محوريًا في هذه الحرب الباردة الجديدة، بوصفه ساحة اختبار للتوازنات الدولية، ومسرحًا لتقاطع المصالح بين القوى الكبرى، لا مجرد هامش للصراع. كما ينتقد الخطاب الغربي الذي يقدّم المواجهة مع روسيا والصين باعتبارها صراعًا أخلاقيًا من أجل الديمقراطية، ويرى أنها في جوهرها معركة على النفوذ والأسواق والموارد.
في المحصلة، يقدّم الأشقر إطارًا تحليليًا يساعد القارئ على فهم طبيعة الصراع الدولي الراهن بوصفه صراعًا طويل النفس، غير محسوم، ومتعدد الأدوات، يُنذر بعالم أكثر توترًا وأقل استقرارًا، دون أن يكون بالضرورة عالم حرب عالمية شاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *