قراءة في كتاب كوكب اليهود

مقدمة

يُعدّ كتاب كوكب اليهود واحدًا من الأعمال المثيرة للجدل في ميدان الدراسات التاريخية والسياسية الحديثة.

يحاول الكاتب مايك إس. كينج من خلاله رسم خريطة لتطور النظام المالي العالمي منذ القرن الثامن عشر، رابطًا بين صعود المؤسسات المصرفية الأوروبية وتحوّل المال إلى أداة للنفوذ السياسي والإعلامي.

الكتاب يُقدَّم ضمن سياق “نقدي للنظام العالمي الجديد”، وهو ثري بالمعلومات التاريخية والاقتصادية والسياسية.

المحور الأول: المال بوصفه أداة هيمنة

يبدأ كينج من تأسيس بنك إنجلترا (1694) وصعود عائلات مصرفية كبرى مثل روتشيلد، ليرى فيها نواة النظام المالي الحديث.

ويشير إلى أنّ تمويل الحروب الأوروبية — خصوصًا الحروب النابليونية — جعل الحكومات تعتمد على المصارف الخاصة، الأمر الذي أتاح للعائلات المالية نفوذًا متزايدًا في صنع القرار.

يقدّم المؤلف بذلك سردية تاريخية ممتدة تُظهر كيف تحوّل رأس المال إلى سلطة سياسية تتجاوز حدود الدولة.

المحور الثاني: النظام المالي والنفوذ الدولي

في الجزء الثاني من الكتاب، ينتقل كينج إلى القرن العشرين، متتبعًا أثر المؤسسات المالية الكبرى على السياسة العالمية:

تأسيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي (1913)، صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.

يرى الكاتب أن هذه المؤسسات رسخت “مركزية القرار المالي” وجعلت الدول النامية رهينة للديون والشروط الاقتصادية.

ويصف مرحلة ما بعد 1971 — بعد فك ارتباط الدولار بالذهب — بأنها لحظة بداية “الهيمنة المالية المطلقة”.

المحور الثالث: الإعلام والعولمة كرافدين للنفوذ

يناقش كينج العلاقة بين رأس المال والإعلام، معتبرًا أن التحكم في وسائل الاتصال والإنتاج الثقافي أسهم في إعادة صياغة وعي الشعوب وتوجيه الرأي العام.

يستشهد كينج، بتنامي ملكية المؤسسات المالية لشركات إعلامية كبرى، ليربط بين الاقتصاد والثقافة في بنية النفوذ العالمي.

وهنا تتجلى أطروحته الأساسية: أن السيطرة الاقتصادية تترجم في النهاية إلى هيمنة سردية ومعرفية.

خاتمة

يقدّم كوكب اليهود نموذجًا لفهم كيف يتقاطع المال، السياسة والإعلام في صياغة النظام العالمي الحديث، لكنه يعبّر عن تيار فكري لا يخلو من التعميم الأيديولوجي.

قراءة هذا الكتاب ضمن مركز طروس لا تهدف إلى تبنّي أطروحاته، بل إلى تفكيكها وتحليلها في سياق الفكر النقدي العالمي، بوصفها جزءًا من الخطاب الذي يسعى إلى فهم جذور العولمة وأثر رأس المال في تشكيل مصير الأمم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *