«الحرب والقرار»: كيف تُصنع قرارات الحرب داخل غرف السلطة

كتاب «الحرب والقرار» لدوغلاس فايث ليس سردًا تقليديًا عن الحروب، بل تشريحًا عميقًا لكيف تُتخذ قرارات الحرب قبل أن تبدأ. جوهر الكتاب أن أخطر ما في الحروب لا يقع في ساحات القتال، بل في غرف الاجتماعات حيث تُصاغ الافتراضات، وتُختار البدائل، وتُستبعد احتمالات مصيرية أحيانًا بلا وعي كامل بتبعاتها.
ينطلق فايث من لحظة ما بعد 11 سبتمبر، حين وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام تهديد غير تقليدي، فانهار الإطار الذهني القديم الذي كان يفصل بين الأمن الخارجي والداخلي. هنا يوضح كيف تحوّل الخوف إلى محرك للقرار، وكيف دفعت الصدمة السياسية صناع القرار إلى تبني منطق «الضربة الاستباقية» باعتباره خيارًا عقلانيًا، لا مغامرة.

يكشف الكتاب الصراع الخفي بين السياسة والعسكر والاستخبارات، حيث لا تنتصر الحقيقة دائمًا، بل تنتصر الرواية الأكثر إقناعًا داخل النظام. يبرز فايث كيف أن نقص المعلومات لا يمنع القرار، بل أحيانًا يعجّل به، وكيف أن التقديرات الاستخباراتية تتحول من أدوات تحذير إلى أدوات تبرير.
أهم ما يميز الكتاب أنه لا يقدّم الحرب بوصفها نتيجة شر أو جنون، بل نتيجة سلسلة قرارات عقلانية داخل سياق خاطئ. فالحرب على العراق، كما يعرضها، لم تكن قرارًا منفصلًا، بل حلقة في تصور أوسع لإعادة تشكيل النظام الدولي بالقوة.

فايث، رغم كونه جزءًا من منظومة القرار، يفضح هشاشتها: تضخم الثقة، إهمال الأسئلة الحرجة، والانزلاق من «إدارة الخطر» إلى «صناعة الكارثة». بذلك يتحول الكتاب إلى درس تحذيري: حين تُختزل السياسة في الأمن، ويُختزل الأمن في القوة، يصبح القرار – مهما بدا منطقيًا – طريقًا منظمًا إلى الفوضى.
هذه الخلاصة تجعل «الحرب والقرار» كتابًا أساسيًا لفهم كيف تبدأ الحروب… لا لماذا تنتهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *